بصدد نضالنا الحقوقي: أية حقوق؟ لأي إنسان؟
بصدد نضالنا الحقوقي: أية حقوق؟ لأي إنسان؟
طيلة
العقود الثلاثة الماضية، تميز النضال الحقوقي بالمغرب، باستقطاب عدد لا بأس
به من المناضلات والمناضلين اليساريين، ومنهم الماركسيين الذين يكرسون جل
وقتهم وجهدهم لإقرار حقوق الإنسان والسمو بها، مسترشدين بما تحقق لحد الآن،
كمعايير دولية وكثُرات إنساني.
وبالنظر للمجهود الجبار المبذول من طرف هؤلاء المناضلين والمعيقات الذاتية والموضوعية التي يصطدم بها نضالهم ، كثيرا ما يطرح السؤال – وخصوصا في مرحلة الجزر- حول جدوى هذا النضال الحقوقي – الديمقراطي بطبيعته – في مواجهة النظام القمعي القائم، كما يطرح السؤال حول مشروعية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، باعتبارها صيغت، في غيبة أغلب شعوب العالم، من طرف مؤسسات دولية مهيمن عليها من القوى الإمبريالية المعادية لحقوق الإنسان. ويصبح السؤال أكثر ملحاحية حين يتراءى للحقوقيين أن نضالهم يراوح مكانه والمكتسبات المحققة هزيلة بالمقارنة مع تضحياتهم، بل وهشة وتتعرض للتراجع حتى.
هذا النقاش حول أهمية حقوق الإنسان وطبيعتها ودورها في الصراع من أجل تحرر الإنسان، ليس وليد اليوم، بل إن الماركسيين منذ قرن ونصف، ما فتئوا ينتقدون معايير حقوق الإنسان، كاشفين جوهرها الطبقي البرجوازي ومحدوديتها في النضال العام من أجل تحرر الإنسان وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال.
وسيكون من المفيد في هذه الورقة، التذكير بالنقد الماركسي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عقب الثورة الفرنسية، قبل التطرق لمضمون المواثيق الدولية الحالية وظروف صدورها وآفاقها، وأهميتها من زاوية نضال الماركسيين من أجل بناء المجتمع المنشود.
في بداية الثورة الفرنسية (1789)، صاغت وثيقة “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الأسس القانونية للمجتمع الفرنسي الجديد. وفضلا عن الضغط الشعبي الذي حمل الثورة الفرنسية، فقد استرشد “الإعلان” بفكر الأنوار الذي ساد في القرن 18 وبالمدرسة الاقتصادية الكلاسيكية التي أطرت قانون السوق أو ما نسميه اليوم الرأسمالية المتوحشة. للتذكير فإن منظٌري هذه النظرية الاقتصادية (أدام سميت، مالتوس،…)، كانوا يعتبرون القوانين الاقتصادية خاضعة لنظام طبيعي (إلاهي) لامجال لتغييرها من قبل الإنسان، وأن مصلحة الجماعة تنبثق من تحقيق مصلحة كل فرد على حدى. وهي الأسس التي هاجمها النقد الماركسي في نقده لمضمون “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” كما سنرى فيما بعد.
لم ينبت إعلان 1789 من فراغ، بل جاء نتيجة لتطور تاريخي معين أثمر الثورة الفرنسية وما تلاها من انتفاضات وثورات انفجرت بأوروبا وامتدت إلى المستعمرات.
فهو يعكس موازين القوى السائدة داخل المجتمع الفرنسي آنذاك. (يحكى أن أصل كلمتي “اليسار” و”اليمن”، يعود إلى 26 غشت 1789 أي يوم التصويت على “الإعلان”، حين أشتد الخلاف حول حرية المعتقد، فاصطف أنصار الملك والكنيسة يمين رئيس الجلسة والمدافعون عن الديمقراطية البرجوازية يسارا).
ومن خلال الحقوق المنصوص عليها في إعلان 1789، يبرز انحيازه لمصالح البرجوازية المنتصرة وتكريسه لعلاقات الإنتاج الجديدة.
لقد كرس ماركس نقده للطابع البرجوازي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن، في مقالته “المسألة اليهودية” (1844)، حيث لخص أهم هذه الحقوق في المساواة والحرية والأمن والملكية :
وبالنظر للمجهود الجبار المبذول من طرف هؤلاء المناضلين والمعيقات الذاتية والموضوعية التي يصطدم بها نضالهم ، كثيرا ما يطرح السؤال – وخصوصا في مرحلة الجزر- حول جدوى هذا النضال الحقوقي – الديمقراطي بطبيعته – في مواجهة النظام القمعي القائم، كما يطرح السؤال حول مشروعية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، باعتبارها صيغت، في غيبة أغلب شعوب العالم، من طرف مؤسسات دولية مهيمن عليها من القوى الإمبريالية المعادية لحقوق الإنسان. ويصبح السؤال أكثر ملحاحية حين يتراءى للحقوقيين أن نضالهم يراوح مكانه والمكتسبات المحققة هزيلة بالمقارنة مع تضحياتهم، بل وهشة وتتعرض للتراجع حتى.
هذا النقاش حول أهمية حقوق الإنسان وطبيعتها ودورها في الصراع من أجل تحرر الإنسان، ليس وليد اليوم، بل إن الماركسيين منذ قرن ونصف، ما فتئوا ينتقدون معايير حقوق الإنسان، كاشفين جوهرها الطبقي البرجوازي ومحدوديتها في النضال العام من أجل تحرر الإنسان وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال.
وسيكون من المفيد في هذه الورقة، التذكير بالنقد الماركسي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عقب الثورة الفرنسية، قبل التطرق لمضمون المواثيق الدولية الحالية وظروف صدورها وآفاقها، وأهميتها من زاوية نضال الماركسيين من أجل بناء المجتمع المنشود.
في بداية الثورة الفرنسية (1789)، صاغت وثيقة “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” الأسس القانونية للمجتمع الفرنسي الجديد. وفضلا عن الضغط الشعبي الذي حمل الثورة الفرنسية، فقد استرشد “الإعلان” بفكر الأنوار الذي ساد في القرن 18 وبالمدرسة الاقتصادية الكلاسيكية التي أطرت قانون السوق أو ما نسميه اليوم الرأسمالية المتوحشة. للتذكير فإن منظٌري هذه النظرية الاقتصادية (أدام سميت، مالتوس،…)، كانوا يعتبرون القوانين الاقتصادية خاضعة لنظام طبيعي (إلاهي) لامجال لتغييرها من قبل الإنسان، وأن مصلحة الجماعة تنبثق من تحقيق مصلحة كل فرد على حدى. وهي الأسس التي هاجمها النقد الماركسي في نقده لمضمون “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” كما سنرى فيما بعد.
لم ينبت إعلان 1789 من فراغ، بل جاء نتيجة لتطور تاريخي معين أثمر الثورة الفرنسية وما تلاها من انتفاضات وثورات انفجرت بأوروبا وامتدت إلى المستعمرات.
فهو يعكس موازين القوى السائدة داخل المجتمع الفرنسي آنذاك. (يحكى أن أصل كلمتي “اليسار” و”اليمن”، يعود إلى 26 غشت 1789 أي يوم التصويت على “الإعلان”، حين أشتد الخلاف حول حرية المعتقد، فاصطف أنصار الملك والكنيسة يمين رئيس الجلسة والمدافعون عن الديمقراطية البرجوازية يسارا).
ومن خلال الحقوق المنصوص عليها في إعلان 1789، يبرز انحيازه لمصالح البرجوازية المنتصرة وتكريسه لعلاقات الإنتاج الجديدة.
لقد كرس ماركس نقده للطابع البرجوازي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن، في مقالته “المسألة اليهودية” (1844)، حيث لخص أهم هذه الحقوق في المساواة والحرية والأمن والملكية :
Ø حرية الإنسان تحدها حرية الأخر. إن الإعلان ينظر هنا للإنسان الفرد في انعزاله عن باقي أفراد المجتمع وليس في وحدته بهم.
وبذلك تكون حقوق الإنسان المقصودة في الإعلان هي حقوق الفرد البرجوازي الأناني المنعزل عن الجماعة. لكن ما الذي يميز الإنسان الفرد على باقي أعضاء الجماعة؟ إنها ثروته أو بالأحرى ملكيته لوسائل إنتاجه. إن التجسيد العملي لحق الإنسان في الحرية، هو تحقيقه ل”حقه في الملكية الخاصة”.
وبذلك تكون حقوق الإنسان المقصودة في الإعلان هي حقوق الفرد البرجوازي الأناني المنعزل عن الجماعة. لكن ما الذي يميز الإنسان الفرد على باقي أعضاء الجماعة؟ إنها ثروته أو بالأحرى ملكيته لوسائل إنتاجه. إن التجسيد العملي لحق الإنسان في الحرية، هو تحقيقه ل”حقه في الملكية الخاصة”.
Ø الحق
في الملكية هو حق الإنسان في التمتع بثروته أو بمداخيل عمله أوصناعته، بكل
حرية ودون اكتراث للأخرين. إنه الحق في المصلحة الشخصية كأساس للمجتمع
البرجوازي الجديد، وحيث يمثل الآخرون حدودا لمصلحة الفرد الأناني.
Ø المساواة:
وتعني مساواة الناس أمام القانون، الذي يحمي باقي الحقوق المنصوص عليها في
الإعلان. فالمساواة في الحرية لا تعني سوى حق كل فرد في التصرف في “تروثه”
دون اعتبار لحقوق الجماعة.
Ø الحق
في الأمن: يتمثل في حماية المجتمع لكل فرد من أجل الحفاظ على شخصه وحقوقه
وممتلكاته. وبذلك يتحول المجتمع إلى شرطي لحماية الثروة الخاصة.
ويرى ماركس أن هذا المفهوم للأمن يجعل المجتمع لا يرتفع فوق أنانيته، بل إن الأمن هو تأكيد لهذه الأنانية. لذا يخلص إلى أن “حقوق الإنسان”، أو “حقوق الإنسان المتعارضة مع حقوق المواطن، ليست سوى حقوق عضو المجتمع البرجوازي، أي الإنسان الأناني المعزول عن الإنسان والجماعة”.
إن الطبيعة – من منظور واضعي إعلان 1789ـ هي التي تهب الإنسان حقوقه (الطبيعية). وهكذا “يولد الناس ويعيشون أحرارا متساوون في الحقوق”. إنه ادعاء باطل يتجاهل طبيعة المجتمع البرجوازي – والطبقي عموما – المبني على عدم المساواة وحيث يختلف الناس باختلاف مواقعهم من وسائل الانتاج، ولا تتدخل الطبيعة لتصحيح هذا الوضع، ويبقى تطور الصراع الطبقي هو الكفيل بذلك.
مضمون “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”، يعكس أيضا موازين القوى السائدة لحظة صياغته. وهكذا، رغم نزول العمال والفلاحين وباقي الكادحين للشارع، ورغم الحرائق التي كانت لا تزال مشتعلة في قصور الإقطاع، فإن البرجوازية التي كانت أكثر تنظيمًا وحاملة لمشروع مجتمعي واضح، فرضت تصورها لحقوق الإنسان بما ينسجم مع مصالحها الطبقية. ولم تحل المصادقة على إعلان حقوق الإنسان دون تكثيف استغلال الطبقة العاملة والحكم على الملايين بالإفلاس والبطالة والأوبئة والجوع والتسكع في هوامش المدن، واستمرار احتلال المستعمرات واستعباد سكانها وإبادة الهنود الحمر ومصادرة أراضي الفلاحين الصغار…
وحتى لما خرجت الجماهير الشعبية الفرنسية مطالبة بالحد من حجم الملكية الخاصة، فقد صادقت الجمعية التأسيسية على قانون الأحكام العرفية التي شَرْعَنتْ قمع وقتل الجماهير الغاضبة، ليصطدم الحق في الحياة بالحق في الملكية الخاصة ويرسم حدود حقوق الإنسان بمفهومها البرجوازي.
ويرى ماركس أن هذا المفهوم للأمن يجعل المجتمع لا يرتفع فوق أنانيته، بل إن الأمن هو تأكيد لهذه الأنانية. لذا يخلص إلى أن “حقوق الإنسان”، أو “حقوق الإنسان المتعارضة مع حقوق المواطن، ليست سوى حقوق عضو المجتمع البرجوازي، أي الإنسان الأناني المعزول عن الإنسان والجماعة”.
إن الطبيعة – من منظور واضعي إعلان 1789ـ هي التي تهب الإنسان حقوقه (الطبيعية). وهكذا “يولد الناس ويعيشون أحرارا متساوون في الحقوق”. إنه ادعاء باطل يتجاهل طبيعة المجتمع البرجوازي – والطبقي عموما – المبني على عدم المساواة وحيث يختلف الناس باختلاف مواقعهم من وسائل الانتاج، ولا تتدخل الطبيعة لتصحيح هذا الوضع، ويبقى تطور الصراع الطبقي هو الكفيل بذلك.
مضمون “إعلان حقوق الإنسان والمواطن”، يعكس أيضا موازين القوى السائدة لحظة صياغته. وهكذا، رغم نزول العمال والفلاحين وباقي الكادحين للشارع، ورغم الحرائق التي كانت لا تزال مشتعلة في قصور الإقطاع، فإن البرجوازية التي كانت أكثر تنظيمًا وحاملة لمشروع مجتمعي واضح، فرضت تصورها لحقوق الإنسان بما ينسجم مع مصالحها الطبقية. ولم تحل المصادقة على إعلان حقوق الإنسان دون تكثيف استغلال الطبقة العاملة والحكم على الملايين بالإفلاس والبطالة والأوبئة والجوع والتسكع في هوامش المدن، واستمرار احتلال المستعمرات واستعباد سكانها وإبادة الهنود الحمر ومصادرة أراضي الفلاحين الصغار…
وحتى لما خرجت الجماهير الشعبية الفرنسية مطالبة بالحد من حجم الملكية الخاصة، فقد صادقت الجمعية التأسيسية على قانون الأحكام العرفية التي شَرْعَنتْ قمع وقتل الجماهير الغاضبة، ليصطدم الحق في الحياة بالحق في الملكية الخاصة ويرسم حدود حقوق الإنسان بمفهومها البرجوازي.
ثم جاء
دستور 1791، كتراجع عن مضمون إعلان 1789 نفسه، بعدما حصر حق التصويت لرؤساء
الأسر الغنية واحتفظ بالنظام العبودي في المستعمرات، مما فجر انتفاضة
العبيد في سان دومنيك التي انتهت بإلغاء العبودية واستقلال الجزيرة سنة
1794 (هايتي حاليا).
في الحقيقة استمرت الحقوق المنصوص عليها في الإعلان حبرا على ورق، إلى أن انقلب عليها دستور 1795. هذا الأخير ألغى المؤسسات المنتخبة وأعاد التصويت التمييزي… واستمر هذا الوضع طيلة القرن 19، تخللته ثورات ودماء (1830-1848-1871…). ولم يتم تعميم حق التصويت إلا بعد الحرب العالمية الثانية (دستور 1946) أي بعد قرن ونصف من المصادقة على إعلان حقوق الإنسان والمواطن. أما المستعمرات الفرنسية فظلت قائمة إلى اليوم ضداً على الحق في الحرية والمساواة…
وإذا كانت هناك من مكاسب سياسية واجتماعية حققتها الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في فرنسا وفي المستعمرات، فالفضل فيها يرجع، ليس إلى إعلان 1789 في حد ذاته، بل إلى النضالات والتضحيات الجبارة المبذولة منذ بداية القرن 19، وتوجت بما يعرف الآن بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة وباقي المنظمات المختصة بمجالات العمل والصحة والثقافة والطفل…
يعتبر “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” (1948)، أهم المعايير المؤطرة لحقوق الإنسان في الظرف الراهن. لذا سيكون مفيدا، قبل التطرق إلى محتوى هذه الوثيقة، استحضار الشروط التاريخية التي انتجتها.
منذ نهاية القرن 18، انتقلت الرأسمالية إلى مرحلة جديدة من تطورها. وقد شكلت الثورة الصناعية، عنوانا لانتصار نمط الانتاج الرأسمالي وما يمثله من إنتاج كبير وتراكم رأسمالي سريع لفائدة أقلية من كبار البرجوازيين من جهة، و من جهة ثانية توسيع دائرة البؤس والبطالة والفقر وسط الجماهير الشعبية.
وكان لاحتدام الصراع الطبقي، آثار سياسية واجتماعية هامة تمثلت أولا في نجاح الثورة البورجوازية، ثم إصدار “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” ودمج بعض الحقوق في دستور فرنسا وباقي دول اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد اضطلعت الحركة العمالية والشيوعية الأوروبية على الخصوص بدور هام في النضالات البطولية التي ميزت القرن 19 وما حققته من مكاسب جزئية هامة (ثورة 1848، كمونة باريس، النضالات العمالية الأمريكية…).
تُوِّجتْ هذه النضالات بانتصار الثورة البلشفية (1917) التي شكلت قطيعة مع المفاهيم السابقة لحقوق الإنسان، واعتبرت أن هذه الحقوق لن تقوم في ظل الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وركزت خصوصا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ثم تأسست منظمة العمل الدولية (1919) كاعتراف دولي بمشروعية المطالب التي ناضلت من أجلها الطبقة العاملة طيلة القرن 19، وذلك على الرغم من كون خلفية مؤسسيها كانت تهدف إلى تطويق الثورة البلشفية التي لاقت دعما وتعاطفا في أوساط الحركة العمالية العالمية.
ساهمت هذه العوامل (النضالات العمالية والشعبية التي لم تتوقف طيلة قرن ونصف، وانتصار الثورة البلشفية، فضلا عن الأزمة الداخلية للرأسمالية والتي تمثلت في حربين عالميتين مدمرتين، والأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929)، ساهمت كلها في بناء نظام عالمي جديد بمؤسساته الدولية، وضمنها منظمة الأمم المتحدة (1945)، التي نص ميثاقها على التزام الدول الأعضاء بالعمل بشكل منفرد أو جماعي وبتعاون مع المنظمة على تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز…
ما قلناه بشأن إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789)، ينطبق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) من حيث أنه جاء نتيجة لتطور تاريخي محدد يعكس موازين القوى على الصعيد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية (ثنائية قطبية) ومحاولات الرأسمالية لإعادة بناء اقتصادها ومؤسساتها المحلية والعالمية. تجدر الإشارة إلى أن التصويت على “الإعلان” يوم 10 دجنبر 1948 تميز بغياب إجماع حول مضمونه، فامتنعت عن التصويت بلدان أوروبا الشرقية منتقدة طابعه الليبرالي الغالب، وجنوب إفريقيا (نظام الميز العنصري)، والسعودية التي عارضت حرية المعتقد.
وقد أتضح منذ الوهلة الأولى استحالة التوفيق بين المفهومين الرأسمالي والماركسي لحقوق الإنسان. يتضح ذلك، مثلا، من المادة الأولى لإعلان 1948 التي تتطابق مع نفس المادة من إعلان 1789 وتنص على “أن الناس يولدون أحرارًا متساوون في الحقوق” مستندة إلى “الحق الطبيعي” ومتجاهلة كون الناس يولدون في مجتمع طبقي أي في بيئة اجتماعية تؤهلهم إلى أن يكونوا أحرارًا أو عبيدًا، وهم على أية حالة غير متساوين في ملكية وسائل الإنتاج وفي توزيع الثروة. وتتجلى، أيضا، استحالة التوفيق بين المفهومين في المادة 17 التي تحمي “الحق في الملكية” بغض النظر عن شروط التملك.
طيلة 18 سنة، عجزت لجنة حقوق الإنسان عن صياغة عهد أو اتفاقية موحدة ملزمة للدول، إلى أن اضطرت لإصدار عهدين مختلفين (1966)، أحدهما أعرج وهو المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأستمر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد وثيقة للاستئناس تسطر الأهداف العامة المراد بلوغها.
ومع ذلك لا يجب التقليل من أهمية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصًا في الظرف الراهن المتميز بمحاولات التراجع عن المكاسب التي حققتها الإنسانية وقدمت من أجلها ملايين الشهداء والسجناء والمعطوبين والمنفيين والأرامل والأيتام… إن احتقار هذه المعايير هو في نفس الوقت تبخيس لتضحيات الشعوب والطبقة العاملة بالخصوص لمدة تزيد عن قرنين. كم من شهداء سقطوا في حروب التحرير، وفي كمونة باريس وأثناء المعارك العمالية في شيكاغو ونيويورك من أجل مطالب عمالية تبدو اليوم بسيطة، وكم قدمت الحركة النسائية من تضحيات من أجل حق المرأة في التصويت… (بعد إقرار يوم عمل من 8 ساعات، تأسف إنجلز لأن رفيقه ماركس لم يعش حتى يرى تحقيق هذا المكسب العمالي الذي يبدو اليوم بسيطا).
ليس الخطأ في الاستناد للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بل الخطأ يكمن، بالنسبة لنا كماركسيين، في جعل حقوق الإنسان بمفهومها الحالي سقفًا لنضالنا الاستراتيجي، والذي يجب أن يهدف في نهاية المطاف إلى تحرر الإنسان من قيود المجتمع الطبقي، أي التحرر من قبضة الرأسمال وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال.
وعلى أية حال فالإمبريالية لم تلتزم يوما بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واستمرت في حروبها الاستعمارية (فيتنام والجزائر والمغرب وفلسطين وأفغانستان والعراق…) ودعمها للأنظمة الدكتاتورية (بأمريكا اللاتينية وإفريقيا والخليج…) وحروبها الاقتصادية من خلال برامج التقويم الهيكلي التي فرضت على أغلب شعوب العالم، وهي الآن تتراجع حتى عن المكاسب الاجتماعية المحققة سابقا وتعمم قانون السوق بما يعنيه من تسليع للخدمات العمومية (التعليم، الصحة، والنقل العمومي، والماء والكهرباء،…) ضدا على المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في نضالنا الحقوقي الراهن نعتمد، بوعي، على المعايير الدولية رغم اختلافنا مع جوهرها. لكنها تبقى مرجعًا هامًا وضروريًا في ظل التراجعات العامة الراهنة على حقوق ومكتسبات الشعوب. وتكمن محدودية هذه المواثيق على الأقل في :
– الرهان على الدولة كضامن لحقوق الإنسان. والحال أنها (الدولة) أداة في يد الطبقات السائدة لتأبيد السلطة القائمة وإعادة إنتاج مجتمع الاستغلال، وبالتالي فوجود الدولة نفسه يعني هضم حقوق المستغَلين والمضطَهَدين. كما أن أغلب النضالات الحقوقية في الأنظمة الاستبدادية موجهة ضد الدولة نفسها بأجهزتها القمعية والقضائية…
– تقديس الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج والتي نَعْلمُ – كماركسيين – أنها تحققت بفعل التراكم البدائي عبر قرون من الاستعمار والحروب ونزع أراضي الفلاحين الفقراء ثم بفعل التراكم الرأسمالي الناجم عن استغلال الطبقة العاملة والتمركز الرأسمالي وما يعنيه من إفلاس لملايين الفلاحين والحرفيين والتجار الصغار والمقاولات الصغرى والرمي بالضحايا إلى هامش المجتمع.
إذا كان “حق الملكية الخاصة” يتجاهل طرق تحقيقها، فإنه يُجرِّمُ أيضا أي مساس بهذا “الحق”، بما في ذلك تأميم المؤسسات الاستراتيجية فبالأحرى استرجاع الطبقة العاملة لوسائل إنتاجها كأساس للمجتمع المنشود الخالي من الاستغلال.
– إيهام المناضلين الحقوقيين بإمكانية تحقيق حقوق الإنسان كاملة في ظل المجتمع الرأسمالي القائم على استغلال الإنسان للإنسان بدل حقوق الإنسان. فلا حرية للطبقة العاملة طالما استمرت حرية تملك وسائل الإنتاج من طرف أقلية بورجوازية، ولا ديمقراطية بالتدرج، ولا مساواة بين من يملك الثروة والسلطة ومن لا يملك سوى قوة عمله. كما أن العنصرية خاصية ثابتة للمجتمع الطبقي الذي يميز بين الناس حسب انتمائهم لهذه الطبقة أو تلك.
– تقزيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منظومة حقوق الإنسان، ذلك أن العهد الدولي أٌفرغ من محتواه وكرس دونية هذه الحقوق أمام الحقوق المدنية والسياسية. والسبب يكمن في أن تمتيع المواطنين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتوقف على التوزيع العادل للثروة أي يرتبط بدوره بطبيعة المجتمع القائم. فما قيمة حق التصويت لعاطل يَتضَوَّرُ جوعا، ومن قيمة حرية التعبير لمريض فقير لا يستطيع ولوج للمستشفى، وما الفائدة من وجود تنظيم سياسي ماركسي لا يعمل على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج…؟.
في الحقيقة استمرت الحقوق المنصوص عليها في الإعلان حبرا على ورق، إلى أن انقلب عليها دستور 1795. هذا الأخير ألغى المؤسسات المنتخبة وأعاد التصويت التمييزي… واستمر هذا الوضع طيلة القرن 19، تخللته ثورات ودماء (1830-1848-1871…). ولم يتم تعميم حق التصويت إلا بعد الحرب العالمية الثانية (دستور 1946) أي بعد قرن ونصف من المصادقة على إعلان حقوق الإنسان والمواطن. أما المستعمرات الفرنسية فظلت قائمة إلى اليوم ضداً على الحق في الحرية والمساواة…
وإذا كانت هناك من مكاسب سياسية واجتماعية حققتها الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في فرنسا وفي المستعمرات، فالفضل فيها يرجع، ليس إلى إعلان 1789 في حد ذاته، بل إلى النضالات والتضحيات الجبارة المبذولة منذ بداية القرن 19، وتوجت بما يعرف الآن بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة وباقي المنظمات المختصة بمجالات العمل والصحة والثقافة والطفل…
يعتبر “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” (1948)، أهم المعايير المؤطرة لحقوق الإنسان في الظرف الراهن. لذا سيكون مفيدا، قبل التطرق إلى محتوى هذه الوثيقة، استحضار الشروط التاريخية التي انتجتها.
منذ نهاية القرن 18، انتقلت الرأسمالية إلى مرحلة جديدة من تطورها. وقد شكلت الثورة الصناعية، عنوانا لانتصار نمط الانتاج الرأسمالي وما يمثله من إنتاج كبير وتراكم رأسمالي سريع لفائدة أقلية من كبار البرجوازيين من جهة، و من جهة ثانية توسيع دائرة البؤس والبطالة والفقر وسط الجماهير الشعبية.
وكان لاحتدام الصراع الطبقي، آثار سياسية واجتماعية هامة تمثلت أولا في نجاح الثورة البورجوازية، ثم إصدار “إعلان حقوق الإنسان والمواطن” ودمج بعض الحقوق في دستور فرنسا وباقي دول اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد اضطلعت الحركة العمالية والشيوعية الأوروبية على الخصوص بدور هام في النضالات البطولية التي ميزت القرن 19 وما حققته من مكاسب جزئية هامة (ثورة 1848، كمونة باريس، النضالات العمالية الأمريكية…).
تُوِّجتْ هذه النضالات بانتصار الثورة البلشفية (1917) التي شكلت قطيعة مع المفاهيم السابقة لحقوق الإنسان، واعتبرت أن هذه الحقوق لن تقوم في ظل الملكية الخاصة لوسائل الانتاج وركزت خصوصا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ثم تأسست منظمة العمل الدولية (1919) كاعتراف دولي بمشروعية المطالب التي ناضلت من أجلها الطبقة العاملة طيلة القرن 19، وذلك على الرغم من كون خلفية مؤسسيها كانت تهدف إلى تطويق الثورة البلشفية التي لاقت دعما وتعاطفا في أوساط الحركة العمالية العالمية.
ساهمت هذه العوامل (النضالات العمالية والشعبية التي لم تتوقف طيلة قرن ونصف، وانتصار الثورة البلشفية، فضلا عن الأزمة الداخلية للرأسمالية والتي تمثلت في حربين عالميتين مدمرتين، والأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929)، ساهمت كلها في بناء نظام عالمي جديد بمؤسساته الدولية، وضمنها منظمة الأمم المتحدة (1945)، التي نص ميثاقها على التزام الدول الأعضاء بالعمل بشكل منفرد أو جماعي وبتعاون مع المنظمة على تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز…
ما قلناه بشأن إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789)، ينطبق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) من حيث أنه جاء نتيجة لتطور تاريخي محدد يعكس موازين القوى على الصعيد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية (ثنائية قطبية) ومحاولات الرأسمالية لإعادة بناء اقتصادها ومؤسساتها المحلية والعالمية. تجدر الإشارة إلى أن التصويت على “الإعلان” يوم 10 دجنبر 1948 تميز بغياب إجماع حول مضمونه، فامتنعت عن التصويت بلدان أوروبا الشرقية منتقدة طابعه الليبرالي الغالب، وجنوب إفريقيا (نظام الميز العنصري)، والسعودية التي عارضت حرية المعتقد.
وقد أتضح منذ الوهلة الأولى استحالة التوفيق بين المفهومين الرأسمالي والماركسي لحقوق الإنسان. يتضح ذلك، مثلا، من المادة الأولى لإعلان 1948 التي تتطابق مع نفس المادة من إعلان 1789 وتنص على “أن الناس يولدون أحرارًا متساوون في الحقوق” مستندة إلى “الحق الطبيعي” ومتجاهلة كون الناس يولدون في مجتمع طبقي أي في بيئة اجتماعية تؤهلهم إلى أن يكونوا أحرارًا أو عبيدًا، وهم على أية حالة غير متساوين في ملكية وسائل الإنتاج وفي توزيع الثروة. وتتجلى، أيضا، استحالة التوفيق بين المفهومين في المادة 17 التي تحمي “الحق في الملكية” بغض النظر عن شروط التملك.
طيلة 18 سنة، عجزت لجنة حقوق الإنسان عن صياغة عهد أو اتفاقية موحدة ملزمة للدول، إلى أن اضطرت لإصدار عهدين مختلفين (1966)، أحدهما أعرج وهو المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأستمر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجرد وثيقة للاستئناس تسطر الأهداف العامة المراد بلوغها.
ومع ذلك لا يجب التقليل من أهمية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصًا في الظرف الراهن المتميز بمحاولات التراجع عن المكاسب التي حققتها الإنسانية وقدمت من أجلها ملايين الشهداء والسجناء والمعطوبين والمنفيين والأرامل والأيتام… إن احتقار هذه المعايير هو في نفس الوقت تبخيس لتضحيات الشعوب والطبقة العاملة بالخصوص لمدة تزيد عن قرنين. كم من شهداء سقطوا في حروب التحرير، وفي كمونة باريس وأثناء المعارك العمالية في شيكاغو ونيويورك من أجل مطالب عمالية تبدو اليوم بسيطة، وكم قدمت الحركة النسائية من تضحيات من أجل حق المرأة في التصويت… (بعد إقرار يوم عمل من 8 ساعات، تأسف إنجلز لأن رفيقه ماركس لم يعش حتى يرى تحقيق هذا المكسب العمالي الذي يبدو اليوم بسيطا).
ليس الخطأ في الاستناد للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بل الخطأ يكمن، بالنسبة لنا كماركسيين، في جعل حقوق الإنسان بمفهومها الحالي سقفًا لنضالنا الاستراتيجي، والذي يجب أن يهدف في نهاية المطاف إلى تحرر الإنسان من قيود المجتمع الطبقي، أي التحرر من قبضة الرأسمال وبناء المجتمع الخالي من الاستغلال.
وعلى أية حال فالإمبريالية لم تلتزم يوما بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، واستمرت في حروبها الاستعمارية (فيتنام والجزائر والمغرب وفلسطين وأفغانستان والعراق…) ودعمها للأنظمة الدكتاتورية (بأمريكا اللاتينية وإفريقيا والخليج…) وحروبها الاقتصادية من خلال برامج التقويم الهيكلي التي فرضت على أغلب شعوب العالم، وهي الآن تتراجع حتى عن المكاسب الاجتماعية المحققة سابقا وتعمم قانون السوق بما يعنيه من تسليع للخدمات العمومية (التعليم، الصحة، والنقل العمومي، والماء والكهرباء،…) ضدا على المعايير الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
في نضالنا الحقوقي الراهن نعتمد، بوعي، على المعايير الدولية رغم اختلافنا مع جوهرها. لكنها تبقى مرجعًا هامًا وضروريًا في ظل التراجعات العامة الراهنة على حقوق ومكتسبات الشعوب. وتكمن محدودية هذه المواثيق على الأقل في :
– الرهان على الدولة كضامن لحقوق الإنسان. والحال أنها (الدولة) أداة في يد الطبقات السائدة لتأبيد السلطة القائمة وإعادة إنتاج مجتمع الاستغلال، وبالتالي فوجود الدولة نفسه يعني هضم حقوق المستغَلين والمضطَهَدين. كما أن أغلب النضالات الحقوقية في الأنظمة الاستبدادية موجهة ضد الدولة نفسها بأجهزتها القمعية والقضائية…
– تقديس الملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج والتي نَعْلمُ – كماركسيين – أنها تحققت بفعل التراكم البدائي عبر قرون من الاستعمار والحروب ونزع أراضي الفلاحين الفقراء ثم بفعل التراكم الرأسمالي الناجم عن استغلال الطبقة العاملة والتمركز الرأسمالي وما يعنيه من إفلاس لملايين الفلاحين والحرفيين والتجار الصغار والمقاولات الصغرى والرمي بالضحايا إلى هامش المجتمع.
إذا كان “حق الملكية الخاصة” يتجاهل طرق تحقيقها، فإنه يُجرِّمُ أيضا أي مساس بهذا “الحق”، بما في ذلك تأميم المؤسسات الاستراتيجية فبالأحرى استرجاع الطبقة العاملة لوسائل إنتاجها كأساس للمجتمع المنشود الخالي من الاستغلال.
– إيهام المناضلين الحقوقيين بإمكانية تحقيق حقوق الإنسان كاملة في ظل المجتمع الرأسمالي القائم على استغلال الإنسان للإنسان بدل حقوق الإنسان. فلا حرية للطبقة العاملة طالما استمرت حرية تملك وسائل الإنتاج من طرف أقلية بورجوازية، ولا ديمقراطية بالتدرج، ولا مساواة بين من يملك الثروة والسلطة ومن لا يملك سوى قوة عمله. كما أن العنصرية خاصية ثابتة للمجتمع الطبقي الذي يميز بين الناس حسب انتمائهم لهذه الطبقة أو تلك.
– تقزيم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منظومة حقوق الإنسان، ذلك أن العهد الدولي أٌفرغ من محتواه وكرس دونية هذه الحقوق أمام الحقوق المدنية والسياسية. والسبب يكمن في أن تمتيع المواطنين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتوقف على التوزيع العادل للثروة أي يرتبط بدوره بطبيعة المجتمع القائم. فما قيمة حق التصويت لعاطل يَتضَوَّرُ جوعا، ومن قيمة حرية التعبير لمريض فقير لا يستطيع ولوج للمستشفى، وما الفائدة من وجود تنظيم سياسي ماركسي لا يعمل على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج…؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق